نشرت مجلة الوعى العربى فى24/2/2008 مقال بعنوان (عبد السلام عارف كما رايته ) بقلم صبحى ناظم توفيق كان هذا مضمونه:
لندن ـ القدس العربي :
في كتاب جديد من حياة الرئيس العراقي الاسبق عبد السلام عارف، يتحدث الدكتور صبحي ناظم توفيق عن تجربته كحارس لمنزل رئيس الجمهورية. ويزخر كتاب عبد السلام محمد عارف كما رأيته بالكثير من المعلومات الجديدة الشيقة حول الرئيس الاسبق، ومنها تفاصيل حول تواضع الرئيس وعائلته ومنزله.
فقد كان منزل الرئيس متواضعا جدا، وفي منطقة شعبية، وكان يخلو من وجود هاتف، حيث امر عارف بنقل هاتف منزله الي مقار حماية داره بعد ان اعتذرت بدالة الاعظمية عن نصب هاتف للحماية لعدم توفر خط شاغر. وكان ابناء الرئيس وبناته يذهبون الي مكتب الحماية في حال اضطروا لإجراء مكالمات هاتفية.
ويروي الدكتور صبحي ناظم ان زوجة الرئيس كلمته مرة واحدة في حياتها حين استدعته لتشكو له بصوت خافت تصرف احد جنوده ازاء ابنة جيرانهم.
ويقول د. صبحي ناظم توفيق ان من الامور التي كان يعاني منها اثناء عمله بالحراسة، هي اصرار الرئيس علي السير لوحده في المنطقة، فكان هو يتابعه عن بعد، وفي احدي المرات فقد حراسه اثره ثلاث ساعات وتبين انه ذهب لزيارة احد اصدقائه.
عندما كلفت بحماية منزل الرئيس عبد السلام تصورته قصرا فارها تحيط به الدبابات والمدافع وفوجئت به بسيطا وسط بيوت المواطنين
عبد السلام محمد عارف.. ضابط عراقي عربي، دخل التاريخ من أوسع أبوابه في الرابع عشر من تموز (يوليو) 1958 عندما قاد اللواء العشرين من جلولاء وهو آمر فوج ويحمل رتبة عقيد ركن، وفجر ثورة في العراق، توجت نضالات وتضحيات العراقيين ضد الاستعمار والقوي الرجعية وسياسات الأحلاف والمعاهدات التي كبلت العراق وعزلته عن أمته العربية،
وشكلت علامة مضيئة علي طريق التحرر والانطلاق نحو آفاق التقدم والتنمية الوطنية والوحدة العربية، لذلك ليس غريبا ان تقترن ثورة تموز (يوليو) باسم هذا الرجل الذي ضرب أروع الدلالات في الإيثار الوطني والالتزام الاخلاقي، عندما تنحي عن موقعه الفعلي كقائد للثورة ومنفذها الاول الي زميله ورفيقه الزعيم الركن (العميد) عبد الكريم قاسم آمر اللواء التاسع عشر، وفاء منه لكلمة شرف واتفاق اخوة وقسم علي التعاضد والتعاون بما يخدم العراق والأمة العربية، علما بأن الاخير الذي وصل الي بغداد بعد نجاح الثورة بخمس ساعات واحتل مكانه في وزارة الدفاع كرئيس للوزراء وقائد عام للقوات المسلحة ووزير للدفاع، لم يقابل صنيع عبد السلام وفروسيته، الا بالجحود والتعالي، الامر الذي أدي الي انتكاسة الثورة وانحرافها عن الأهداف الوطنية والقومية التي قامت من أجلها، واعتقال مفجر الثورة ومحاكمته وسجنه وإصدار حكم باعدامه في سياق عملية كيدية للانتقام من دوره البطولي في انبثاق الثورة ونجاحها.
وكما عاني عبد السلام عارف ظلما واجحافا من زميله السابق عبد الكريم قاسم، فانه واجه غبنا وتهميشا من رفاقه الجدد عقب حركة الثامن من شباط (فبراير) 1963 عندما حاول البعثيون استغفاله والتجاوز علي مكانته وموقعه، وهم الذين استعانوا به كاسم وطني لامع ووجه قومي بارز، لصدارة الحركة واستثمار رصيده الثوري في مواجهة المعسكر المناوئ للوحدة والتيارالقومي من شيوعيين واكراد انفصاليين وبقايا العهد الملكي المباد، ولأن عبد السلام استوعب درس عبد الكريم قاسم جيدا، وأدرك بعد سنوات القهر الخمس التي أعقبت ثورة تموز (يوليو)، أن الاخوة والرفقة التي جمعته مع البعثيين لها التزامات مشتركة عليه وعليهم، وكل طرف يتهاون أو لا يحترم ما التزم به، يتحمل نتائج أعماله، لذلك اضطر عبد السلام الي حسم الامر معهم في الثامن عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 وأنقذ العراق مرة أخري من الفوضي وتناحر البعثيين وانشقاقاتهم.
والذين يستذكرون العامين والشهور الخمسة التي كان فيها عبد السلام عارف رئيسا للعراق من معاصرين له، او مؤرخين منصفين لعهده، لا بد وأن يتوقفوا إزاء سلسلة انجازات تحققت في هذه الفترة القصيرة، علي صعيد الأمن والاستقرار في البلاد والسلم الاجتماعي وسيادة القانون، والقرارات الاشتراكية والتشريعات التقدمية في استثمار الموارد والثروات الوطنية واتساع الخدمات البلدية والتعليمية والصحية والاجتماعية، وكلها موثقة لا تحتاج الي اثباتات.
وقد تعرض عبد السلام عارف في حياته وبعد وفاته في ذلك الحدث الجلل في الثالث عشر من نيسان (ابريل) 1966 الي ظلم كبير من قيادات حزبية وطائفية وعرقية تجنت عليه بدوافع سياسية، نتيجة استقامته وتواضعه، وثباته علي منهجه الوطني والقومي، وقد اتهم ولا يزال من قبل أوساط شيعية مقربة من ايران، بأنه طائفي سني، وتنسي او تتناسي انه هو من سمح لآية الله الخميني رجل الدين المعارض للشاه، بالقدوم الي العراق من منفاه في تركيا مطلع عام 1964، والاقامة والتدريس في النجف معززا ومحميا من عملاء الشاه البهلوي الايراني، واتهمته أطراف أخري بالدكتاتورية، رغم ان سيرته في الحكم والسلطة تؤكد عدالته ونزاهته اضافة الي بساطته ونقاء سريرته، واتهمه بعض قيادات القوميين بعدم الحماس للوحدة وأثبتت الايام انه قومي صلب ووحدوي أصيل.
عبد السلام عارف رحل الي جوار ربه، نظيف اليد والجيب والوجدان، لم يترك لبناته وأولاده أرصدة وعقارات وممتلكات، ولعلها من المصادفات الجميلة ان يصدر كتاب يؤرخ لجانب من حياة الرئيس الراحل عبد السلام عارف وفي هذا الزمن الذي صار فيه العراق يرزح تحت الاحتلال الامريكي ويحكم من زمر طائفية وعرقية معادية لتاريخ العراق وتراثه الوطني وعروبته، وأجمل ما في الامر ان صاحب الكتاب أكاديمي عراقي ومن القومية التركمانية، ليس محسوبا علي حزب أو جماعة سياسية معينة، بدأ حياته عسكريا وقادته وظيفته ليكون قريبا من رئيس الجمهورية مسؤولا عن حماية داره وضابطا في الحرس الجمهوري، فكتب مشاهداته وانطباعاته بتجرد وحيادية، مدفوعا بموضوعية شديدة ووطنية مخلصة، بعيدا عن المبالغات واصطناع الحوادث والروايات. لقد سرد الدكتور صبحي ناظم توفيق أحداثا عايشها، أو كان قريبا منها أو عارفا ببعض تفاصيلها، وقدمها الي قراء كتابه كما جرت بدون تزويق ومغالاة،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق