السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندما كان البساط يسحب من تحت علماء المذاهب المعتمدة، كان يجثو عليه ويعتليه أناس آخرون.
وكان هؤلاء في نفس الوقت يتسلمون قيادة الجماهير المسلمة، ويتحكمون بأعناقهم وأفكارهم وعقولهم.
وبيان هذا:
إن الناس لكي يبتعدوا عن دينهم كان لا بد أن يمروا في مراحل حتى يحدث الانتقال غير مفاجئ لأحد، بل كي يحدث كأنه جزء من الدين.
فأول الخطوات : كانت ذم المذاهب الفقهية:
تحت صورة ذم التقليد، وتشجيع الاجتهاد وتسهيله أي إيحاء أنه سهل ميسور لكل أحد، وتشويه صورة الفقهاء الأعلام وتصويرهم متبعين لأهوائهم، وتصويرهم كأنهم لا يهتمون إلا بالمسائل الغريبة التي لا نفع منها في الحياة الدنيا والآخرة، وبيانهم كأنهم يؤولون الأحاديث مهما كانت صريحة لتوافق رأي إمامهم.
حتى برز الذين يقولون نحن رجال وهم رجال.
وليسوا هم إلا صبية حمقى لم يجدوا لهم شيئاً يضيعون به وقتهم إلا الهجوم على علم الشريعة بأساليبهم الفاسدة، وآرائهم المبتكر، فلا تكاد تجد فيهم موفقً صاحب عقل سليم؛ وغالبهم معاندون للحق.
وينسى أن هؤلاء الفقهاء الأعلام ما كان أخذهم إلا من الرسول، وأنه ليس كل أحد يجوز أن يقول هذا هو حكم الله في هذا الأمر، بل للاجتهاد شروط يجب على كل أحد يخوض فيه أنْ يحصلها وإلا فلا عبرة بقوله وإن ملأ الدنيا صراخاً وعويلاً.
وهكذا صار يعد من الإثم والخطأ العظيم أن ينتسب إلى الشافعي أو أبي حنيفة، فيقولون له بل الانتساب إلى الإسلام هو الصحيح، موهمين إياه أن هذا مخالف له، وهو في الحقيقة عين الشريعة.
وقد سار كثير من الناس وراء هذا الهوى، ولم يدروا مقدار الخطأ الذي يقعون فيه. فهم أولاً تركوا وراء ظهورهم كل هذه الكنوز الهائلة من كلام العلماء ولم يتقيدوا حتى بأسلوبهم ومنهجهم في الأخذ والتلقي، وقالوا إن هذا الطريق هو كافٍ ليوصلنا إلى النجاة.
وقد أمضى هؤلاء التعساء شطراً من أعمارهم يلثهون وراء أحكام انتهى منها الفقهاء منذ أقدم الأزمنة، مثل تحريك الأصبع في الصلاة، ولبس الدشداشة، وترك ذؤابة على رأسه وغير هذا من مسائل هي من فروع الفروع، وجعلوا من دون وعي يقتلون الأمة ويمعنون فيها ذبحاً وتشريحاً، وهم يدركون أو لا يدركون.
وتركوا الأمة معهم حيارى لا يتمسكون بشيء، ولا يهتمون بشيء.
وبيان هذا:
أنّ هؤلاء الناس قد درجوا على أصول توارثوها كابراً عن كابر، وتراكمت الأغلاط فيها وهذه الأغلاط، جل الناس لا يدركون أنها أغلاط.
وأنّ الناس أصولهم القائمين عليها صحيحة في شكلها الإجمالي، ويشوبها بعض التشوه.
ولما برز هؤلاء المناكيد في هذا العصر، وارادوا إصلاح حال هذه الأمة، ربما ظنوا أن هذا إنما يكون بمعاندة كل العادات والأحكام التي درج عليها الناس.
بل اعتبروا كخطوة أولى أن الأصل في الموجود من الأمور المنسوبة إلى الدين إنما هو خطأ لا يجوز، فابتدؤا برفضه، ورفضوا معه المنهج الذي اعتاد عليه الناس ومن أهم أصول هذا المنهج هو اتباع الفقهاء والعلماء المشهود لهم بالعلم من أهل السنة والجماعة، وعدم جواز الهجوم على العلم الشرعي إلا للذي تحققت فيه الشروط المبيحة لذلك، وغير هذا، فصار هؤلاء الحمقى يقدحون في كل أمرٍ يعتاده الناس.
فإذا رأوا واحداً ينتمي إلى أحد الفقهاء الأربعة قالوا له هذا تقليد غير الرسول، وهذا اتباع باطل.
وإذا رأوا الناس العوام لا يهتمون بالتدقيق على الأدلة ذموهم على هذا وطلبوا من كل واحدٍ أن يسأل من يذكر له حكماً شرعياً عن الدليل ولا يكتفي بأن ينسبه إلى عالم فقيه.
وجعلوا دراسة علم الحديث أهم واجب في الدين، وتهافتوا على ذلك تهافتاً عجيباً، حتى صرت ترى أدنى الناس عقلاً وعلماً يتحجج بأنه يصحح ويضعف، ويستنبط من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة بلا حاجة إلى وسائط.
وهكذا فقط أوقعوا الناس في إرتباك عظيم.
وجعلوهم يشكون في كل ما يتعلق بالدين أنه من الدين.
وقد يكون صحيحاً.
بل غالب ما ردّوه، كأن ردهم باطلاً، وغالب ما شددوا فيه كان تشديدهم سخفاً منهم، ودليلاً على قلة عقلهم.
وهكذا لما ابتدؤا برد ما عند الناس، صار من المحتم أن يوجدوا للناس بديلاً للمنهج الذي ردوه وللأحكام كذلك.
فأوجدوا منهجاً ملفقاً وأحكاماً كاذبة كذلك وجعلوا يصرون على أن هذا هو الحق، كل هذا وأهل الحق غافلون عما يجري، أو كانوا واعين.
ولكنهم كمن قلعت أظافره، وعميت عيناه، وصار أولئك المناكيد يتكلمون بألسنة جارحة في حق الناس وكثير من العلماء الأعلام، وجعلوا يلحقون تهمة الابتداع إلى كل من خالفهم، ولو في أمر من الأمور الاجتهادية في الفقه أو غيره، وربما لم يتوانوا عن تكفير بعض من خالفهم لأتته الأسباب.
ونتج عن كل هذا نواتج سيئة العاقبة، فهؤلاء الجاهلون لما لم يكن لديهم من العقول ما يكفي للاستدلال على المذهب الحق، فقد كان ناتج قولهم عبارة عن خليط عجيب من التلفيق والتهافت الذي يضحك منه الصبيان.
وجعلوا يضيعون أوقاتهم وأوقات الناس في سبيل بحث مسائل لا ينفي صب الاهتمام الكبير إليها وترك غيرها، وهؤلاء لم يستضيعوا أن يقعدوا من الناس مقعد العلماء، الذين يعلمون الناس المذهب الحق والطريق المستقيم، ولذا اكتفوا بإثارة بعض المسائل كما قلنا وتركوا الناس يشتغلون بها.
ولعدم وجود العلم الشرعي القوي بين غالب الناس، فقد اكتفى جل هؤلاء بترك الالتفات إليهم، ومن التفت فإن لم يكن عنده علم ولا تروي وقع فيما وقعوا هم فيه، وإلا اضطر إما لمهاجمتهم وبيان تهافت قولهم، فينسبون إلى الابتداع، أو يكتفي بمعرفته لنفسه، فلا يسلمه من بعض شروروهم.
هذا هو حال عامة الناس.
وأما الفئة التي عندها نوع علم بالذي يجري، فهذه غالباً مجردة من وسائل التأثير وإيصال رأيها إلى الناس، لأن الدولة كما قلنا هي دولتهم، والأموال بأيديهم، وأما أهل الحق فقد جردوا من أسلحتهم منذ جرد الأزهر الشريف مما كان عليه.
وقد انتسب هؤلاء المناكيد إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وما هم منه، ولكن اقتضت الضرورة هذا الانتماء.
فإنه لما كانت المذاهب الثلاث الباقية هي المنتشرة وكان مذهب الدولة العثمانية هو مذهب أبي حنيفة، وبلاد المغرب مذهب مالك وبلاد الشام ومصر مذهب الشافعي، ومعظم الباكستان والهند وغالب البلاد التي في تلك الجهات على مذهب أبي حنيفة وبعضهم شافعي.
أما المذهب الحنبلي فلم يكن منتشراً بين المسلمين، ولم يظهر إلا بعد ظهور المذهب الوهابي وتلك الدعوة المشبوهة،
واتكأ هؤلاء الناس على المذهب الحنبلي كسلاح في وجه المذاهب الأخرى، وبهذا يكونون قد ضربوا الإسلام ببعض. وظهر صيت أحمد بن حنبل كأنه إمام السنة الوحيد ولا إمام غيره، بل ظهر كأنه هو الإمام الكامل المعصوم في مقابل الأئمة الثلاث، الذين وقعوا في أخطاء نجا منها أحمد كما يدعي هؤلاء الحمقى.
وهكذا:
فقد رأينا الزعامة الدينية تنتقل من مصر التي كانت تتكلم بألسنة المذاهب الأربعة كلها، لأنه لا تناقض بينها، إلى السعودية التي صارت تتكلم باسم المذهب الحنبلي بل مذهب أهل الحديث كما يدعون، وهذه افتراء وكذب، وصارت السعودية هي التي تشجع هؤلاء الفتية الحمقى وتدعم نشاطاتهم، وتهيء لهم الأعمال والأموال،
وصارت صفات الاحتقار تظهر على وجوه هؤلاء لباقي المذاهب وهي المذاهب التي قامت بأمر المسلمين طوال السنين الماضية.
وههنا اكتملت صورة الخداع في هذا الجانب،
فالسعودية لا تحكم بالإسلام وهي دولة من الدول العربية لا تتميز عنها إلا بكونها أغنى منها بما أوجده الله فيها من نفط.
وبما أنها دولة قانونها قانون وضعي فقد كانت المسائل التي تظهرها للناس على أنها هي الإسلام إنما هي فروع الفروع، وهي تظهرها بصورة الأصول الكلية التي لا يجوز الخلاف فيها.
ولما كانت الكعبة والمسجد النبوي وغيرها من الأماكن والمعاني الدينية موجودة في تلك البلاد فقد استغلت الدولة الحاكمة هذه الأمور كستار خادع أمام الناس حتى صارت كلمة "علماء" السعودية هي الكلمة المعبرة عن أصل الدين وصار يتكون رأي عام لدى عامة الناس بأن السعودية هي دولة إسلامية، أو أقرب البلاد إلى الإسلام.
هذا بعض ما يتعلق بجانب من جوانب الانخداع التي وقع فيها الناس.
وقد رأينا الناس مذهولين مبهورين في حرب الخليج عندما لم يكن أحد منهم يتوقع أن تخرج "الفتاوي" من العلماء بهذا الشكل، لم يتوقع هذا إلا من عنده علمٌ، ولذا فقد صدم الناس، واهتزت صورة الإسلام في أعينهم باهتزاز صورة من يمثلون الإسلام في نظرهم
وكان هؤلاء في نفس الوقت يتسلمون قيادة الجماهير المسلمة، ويتحكمون بأعناقهم وأفكارهم وعقولهم.
وبيان هذا:
إن الناس لكي يبتعدوا عن دينهم كان لا بد أن يمروا في مراحل حتى يحدث الانتقال غير مفاجئ لأحد، بل كي يحدث كأنه جزء من الدين.
فأول الخطوات : كانت ذم المذاهب الفقهية:
تحت صورة ذم التقليد، وتشجيع الاجتهاد وتسهيله أي إيحاء أنه سهل ميسور لكل أحد، وتشويه صورة الفقهاء الأعلام وتصويرهم متبعين لأهوائهم، وتصويرهم كأنهم لا يهتمون إلا بالمسائل الغريبة التي لا نفع منها في الحياة الدنيا والآخرة، وبيانهم كأنهم يؤولون الأحاديث مهما كانت صريحة لتوافق رأي إمامهم.
حتى برز الذين يقولون نحن رجال وهم رجال.
وليسوا هم إلا صبية حمقى لم يجدوا لهم شيئاً يضيعون به وقتهم إلا الهجوم على علم الشريعة بأساليبهم الفاسدة، وآرائهم المبتكر، فلا تكاد تجد فيهم موفقً صاحب عقل سليم؛ وغالبهم معاندون للحق.
وينسى أن هؤلاء الفقهاء الأعلام ما كان أخذهم إلا من الرسول، وأنه ليس كل أحد يجوز أن يقول هذا هو حكم الله في هذا الأمر، بل للاجتهاد شروط يجب على كل أحد يخوض فيه أنْ يحصلها وإلا فلا عبرة بقوله وإن ملأ الدنيا صراخاً وعويلاً.
وهكذا صار يعد من الإثم والخطأ العظيم أن ينتسب إلى الشافعي أو أبي حنيفة، فيقولون له بل الانتساب إلى الإسلام هو الصحيح، موهمين إياه أن هذا مخالف له، وهو في الحقيقة عين الشريعة.
وقد سار كثير من الناس وراء هذا الهوى، ولم يدروا مقدار الخطأ الذي يقعون فيه. فهم أولاً تركوا وراء ظهورهم كل هذه الكنوز الهائلة من كلام العلماء ولم يتقيدوا حتى بأسلوبهم ومنهجهم في الأخذ والتلقي، وقالوا إن هذا الطريق هو كافٍ ليوصلنا إلى النجاة.
وقد أمضى هؤلاء التعساء شطراً من أعمارهم يلثهون وراء أحكام انتهى منها الفقهاء منذ أقدم الأزمنة، مثل تحريك الأصبع في الصلاة، ولبس الدشداشة، وترك ذؤابة على رأسه وغير هذا من مسائل هي من فروع الفروع، وجعلوا من دون وعي يقتلون الأمة ويمعنون فيها ذبحاً وتشريحاً، وهم يدركون أو لا يدركون.
وتركوا الأمة معهم حيارى لا يتمسكون بشيء، ولا يهتمون بشيء.
وبيان هذا:
أنّ هؤلاء الناس قد درجوا على أصول توارثوها كابراً عن كابر، وتراكمت الأغلاط فيها وهذه الأغلاط، جل الناس لا يدركون أنها أغلاط.
وأنّ الناس أصولهم القائمين عليها صحيحة في شكلها الإجمالي، ويشوبها بعض التشوه.
ولما برز هؤلاء المناكيد في هذا العصر، وارادوا إصلاح حال هذه الأمة، ربما ظنوا أن هذا إنما يكون بمعاندة كل العادات والأحكام التي درج عليها الناس.
بل اعتبروا كخطوة أولى أن الأصل في الموجود من الأمور المنسوبة إلى الدين إنما هو خطأ لا يجوز، فابتدؤا برفضه، ورفضوا معه المنهج الذي اعتاد عليه الناس ومن أهم أصول هذا المنهج هو اتباع الفقهاء والعلماء المشهود لهم بالعلم من أهل السنة والجماعة، وعدم جواز الهجوم على العلم الشرعي إلا للذي تحققت فيه الشروط المبيحة لذلك، وغير هذا، فصار هؤلاء الحمقى يقدحون في كل أمرٍ يعتاده الناس.
فإذا رأوا واحداً ينتمي إلى أحد الفقهاء الأربعة قالوا له هذا تقليد غير الرسول، وهذا اتباع باطل.
وإذا رأوا الناس العوام لا يهتمون بالتدقيق على الأدلة ذموهم على هذا وطلبوا من كل واحدٍ أن يسأل من يذكر له حكماً شرعياً عن الدليل ولا يكتفي بأن ينسبه إلى عالم فقيه.
وجعلوا دراسة علم الحديث أهم واجب في الدين، وتهافتوا على ذلك تهافتاً عجيباً، حتى صرت ترى أدنى الناس عقلاً وعلماً يتحجج بأنه يصحح ويضعف، ويستنبط من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة بلا حاجة إلى وسائط.
وهكذا فقط أوقعوا الناس في إرتباك عظيم.
وجعلوهم يشكون في كل ما يتعلق بالدين أنه من الدين.
وقد يكون صحيحاً.
بل غالب ما ردّوه، كأن ردهم باطلاً، وغالب ما شددوا فيه كان تشديدهم سخفاً منهم، ودليلاً على قلة عقلهم.
وهكذا لما ابتدؤا برد ما عند الناس، صار من المحتم أن يوجدوا للناس بديلاً للمنهج الذي ردوه وللأحكام كذلك.
فأوجدوا منهجاً ملفقاً وأحكاماً كاذبة كذلك وجعلوا يصرون على أن هذا هو الحق، كل هذا وأهل الحق غافلون عما يجري، أو كانوا واعين.
ولكنهم كمن قلعت أظافره، وعميت عيناه، وصار أولئك المناكيد يتكلمون بألسنة جارحة في حق الناس وكثير من العلماء الأعلام، وجعلوا يلحقون تهمة الابتداع إلى كل من خالفهم، ولو في أمر من الأمور الاجتهادية في الفقه أو غيره، وربما لم يتوانوا عن تكفير بعض من خالفهم لأتته الأسباب.
ونتج عن كل هذا نواتج سيئة العاقبة، فهؤلاء الجاهلون لما لم يكن لديهم من العقول ما يكفي للاستدلال على المذهب الحق، فقد كان ناتج قولهم عبارة عن خليط عجيب من التلفيق والتهافت الذي يضحك منه الصبيان.
وجعلوا يضيعون أوقاتهم وأوقات الناس في سبيل بحث مسائل لا ينفي صب الاهتمام الكبير إليها وترك غيرها، وهؤلاء لم يستضيعوا أن يقعدوا من الناس مقعد العلماء، الذين يعلمون الناس المذهب الحق والطريق المستقيم، ولذا اكتفوا بإثارة بعض المسائل كما قلنا وتركوا الناس يشتغلون بها.
ولعدم وجود العلم الشرعي القوي بين غالب الناس، فقد اكتفى جل هؤلاء بترك الالتفات إليهم، ومن التفت فإن لم يكن عنده علم ولا تروي وقع فيما وقعوا هم فيه، وإلا اضطر إما لمهاجمتهم وبيان تهافت قولهم، فينسبون إلى الابتداع، أو يكتفي بمعرفته لنفسه، فلا يسلمه من بعض شروروهم.
هذا هو حال عامة الناس.
وأما الفئة التي عندها نوع علم بالذي يجري، فهذه غالباً مجردة من وسائل التأثير وإيصال رأيها إلى الناس، لأن الدولة كما قلنا هي دولتهم، والأموال بأيديهم، وأما أهل الحق فقد جردوا من أسلحتهم منذ جرد الأزهر الشريف مما كان عليه.
وقد انتسب هؤلاء المناكيد إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وما هم منه، ولكن اقتضت الضرورة هذا الانتماء.
فإنه لما كانت المذاهب الثلاث الباقية هي المنتشرة وكان مذهب الدولة العثمانية هو مذهب أبي حنيفة، وبلاد المغرب مذهب مالك وبلاد الشام ومصر مذهب الشافعي، ومعظم الباكستان والهند وغالب البلاد التي في تلك الجهات على مذهب أبي حنيفة وبعضهم شافعي.
أما المذهب الحنبلي فلم يكن منتشراً بين المسلمين، ولم يظهر إلا بعد ظهور المذهب الوهابي وتلك الدعوة المشبوهة،
واتكأ هؤلاء الناس على المذهب الحنبلي كسلاح في وجه المذاهب الأخرى، وبهذا يكونون قد ضربوا الإسلام ببعض. وظهر صيت أحمد بن حنبل كأنه إمام السنة الوحيد ولا إمام غيره، بل ظهر كأنه هو الإمام الكامل المعصوم في مقابل الأئمة الثلاث، الذين وقعوا في أخطاء نجا منها أحمد كما يدعي هؤلاء الحمقى.
وهكذا:
فقد رأينا الزعامة الدينية تنتقل من مصر التي كانت تتكلم بألسنة المذاهب الأربعة كلها، لأنه لا تناقض بينها، إلى السعودية التي صارت تتكلم باسم المذهب الحنبلي بل مذهب أهل الحديث كما يدعون، وهذه افتراء وكذب، وصارت السعودية هي التي تشجع هؤلاء الفتية الحمقى وتدعم نشاطاتهم، وتهيء لهم الأعمال والأموال،
وصارت صفات الاحتقار تظهر على وجوه هؤلاء لباقي المذاهب وهي المذاهب التي قامت بأمر المسلمين طوال السنين الماضية.
وههنا اكتملت صورة الخداع في هذا الجانب،
فالسعودية لا تحكم بالإسلام وهي دولة من الدول العربية لا تتميز عنها إلا بكونها أغنى منها بما أوجده الله فيها من نفط.
وبما أنها دولة قانونها قانون وضعي فقد كانت المسائل التي تظهرها للناس على أنها هي الإسلام إنما هي فروع الفروع، وهي تظهرها بصورة الأصول الكلية التي لا يجوز الخلاف فيها.
ولما كانت الكعبة والمسجد النبوي وغيرها من الأماكن والمعاني الدينية موجودة في تلك البلاد فقد استغلت الدولة الحاكمة هذه الأمور كستار خادع أمام الناس حتى صارت كلمة "علماء" السعودية هي الكلمة المعبرة عن أصل الدين وصار يتكون رأي عام لدى عامة الناس بأن السعودية هي دولة إسلامية، أو أقرب البلاد إلى الإسلام.
هذا بعض ما يتعلق بجانب من جوانب الانخداع التي وقع فيها الناس.
وقد رأينا الناس مذهولين مبهورين في حرب الخليج عندما لم يكن أحد منهم يتوقع أن تخرج "الفتاوي" من العلماء بهذا الشكل، لم يتوقع هذا إلا من عنده علمٌ، ولذا فقد صدم الناس، واهتزت صورة الإسلام في أعينهم باهتزاز صورة من يمثلون الإسلام في نظرهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق