استحباب الصلاة في المسجد :
ثم إن الاتيان بالمكتوبة للرجال في المسجد أفضل
من الاتيان بها في المنزل ، وقد ورد الحث العظيم على حضور المساجد ، وإن من كان القرآن حديثه ،
والمسجد بيته ، بنى الله له بيتاً في
الجنة . وإن من اختلف إلى المسجد أصاب احدى الثمان : أخاً مستفاداً
في الله ، أو علماً
مستطرفاً ، أو آية محكمة ، أو يسمع كلمة تدل على هدى ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة ترده عن ردى ، أو يترك
ذنباً خشية أو حياء . وإن الرجل إذا تعلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، يظله الله في ظله يوم
لاظل إلا ظله . وإن بيوت الله في
الأرض المساجد ، فطوبى لمن تطهر في بيته ، ثم زار الله في بيته ،
وحق على المزور أن يكرم الزائر . وإن من مشى إلى المسجد لم يضع رجلاً على رطب ولايابس إلا
سبحت له الأرض
إلى الأرضين السابعة . وإنه ما عبد الله بشيء مثل الصمت ، والمشي إلى بيته . وإن من مشى إلى
مسجد من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات ،
ومحي له عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات . وإن أحب البقاع إلى الله المساجد ، وأحب أهلها إلى الله أولهم دخولاً وآخرهم خروجاً منها .
يتأكد الفضل في حق جار المسجد ، وحده إلى أربعين
داراً ، وقد ورد أنه لاصلاة مكتوبة لجار المسجد - في حال صحته وفراغه من الأعذار - إلا في المسجد . وقيل
: بإن الصلاة في المسجد فرادى أفضل من الصلاة في غيره جماعة .
أما النافلة ، ففضلها في السر عليها علانية كفضل
الفريضة على النافلة . كما إن الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها ، وقد ورد أن خير مساجد النساء البيوت .
وإن صلاة المرأة وحدها في بيتها كفضل صلاتها في الجمع خمساً وعشرين درجة . وإن صلاتها في مخدعها ، أفضل
من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في
بيتها أفضل من صلاتها في الدار .
ثم إن صلاة الرجل في المسجد الأعظم الذي يكثر اختلاف
عامة أهل البلد إليه بمائة صلاة ، وفي مسجد القبيلة الذي لا يأتيه إلا طائفة من الناس كمساجد محاليل
البلد ومساجد القرى بخمس وعشرين صلاة ، وفي مسجد السوق الذي لايأتيه غالباً إلا أهل السوق بإثني عشر
صلاة .
سنن المسجد :
منها : أن تكون مكشوفة غير
مسقوفة ولا مظللة مع عدم الحاجة ، بل يكره التسقيف والصلاة
تحت السقف منه . نعم لا بأس بالتظليل بالحصر والبواري ونحوها من غير طين ، لدفع الحر والبرد والصلاة
تحته
.
منها : أن تكون الميضاة - وهي المطهرة للحدث
والخبث - خارجة عن المساجد على جهة القرب من أبوابها ، بل يكره الوضوء من حدث البول
والغائط في المسجد
.
منها
: أن تكون المنارة مع الحائط لا في الوسط ، ويكره كونها
أرفع من سطح المسجد أو حائطه
.
منها : التطيب والتطهر ولبس الثياب الفاخرة عند الذهاب
إليها. ففي الكافي
بسنده عن أبي عبد الله (ع) قال : إن علي بن الحسين (ع) استقبله مولى
له في ليلة باردة
وعليه جبة خز ، ومطرف خز ، وعمامة خز ، وهو متغلف بالغالية ، فقال له : جعلت فداك في مثل هذه الساعة على
هذه الهيئة الى أين ؟ قال : فقال إلى مسجد جدي رسول الله (ص) اخطب الحور العين إلى الله عز وجل .
منها : أن يكون المشي إلى المسجد على سكينة ووقار .
منها : أن يقدم الداخل إليها رجله اليمنى ، والخارج
رجله اليسرى .
منها : أن يتعاهد نعله ، ويستعلم حاله ، حتى لا يكون تحته شيء من
النجاسات .
منها : أن يستقبل القبلة إذا دخله ، وأن يصلي على النبي وآله ،
ويحمد الله تعالى ويثنى عليه عند الدخول ، ويدعو بالمأثور وغيره . ومن المأثور : " بسم الله
وبالله والسلام على رسول الله وملائكته ، السلام على محمد وآل محمد ، السلام عليهم ورحمة
الله وبركاته، رب أغفر لي ذنوبي ، وأفتح لي أبواب فضلك " .
ورد لمن خرج من المسجد أن يقف بالباب ويقول : "
اللهم دعوتني فأجبت دعوتك ، وصليت مكتوبتك ، وأنتشرت في أرضك كما أمرتني ،
فأسألك من فضلك العمل بطاعتك ، واجتناب سخطك ، والكفاف من الرزق برحمتك ".
ورد أن من توضأ ثم خرج إلى المسجد فقال حين يخرج من بيته : "
بسم الله الذي خلقني فهو يهدين " هداه الله إلى الصواب للإيمان ، وإذا قال : " والذي هو يطعمني
ويسقين " أطعمه الله عز وجل من طعام الجنة ، وسقاه
من شراب الجنة ، وإذا قال : " وإذا مرضت فهو يشفين " جعله الله عز وجل كفارة لذنوبه ، وإذا قال :
" والذي يميتني ثم يحيين " أماته الله موتة الشهداء ، وأحياه حياة السعداء ، وإذا
قال : " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " غفر الله عز وجل خطأه كله وإن كان
أكثر من زبد البحر ، وإذا قال : " رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين " وهب الله له حكماً وعلماً
، وألحقه بصالح
من مضى وصالح من بقي ، وإذا قال : " وأجعل لي
لسان صدق في الآخرين " كتب الله عز وجل في ورقة بيضاء : إن فلان بن فلان من الصادقين ،
وإذا قال : " وأجعلني من ورثة جنة النعيم " اعطاه الله عز وجل منازل في الجنة ، وإذا
قال : " وأغفر لأبي " غفر الله لأبويه .
منها
: كنسها وتنظيفها وإخراج كناستها ، وقد ورد أن من قم
مسجداً كتب الله له عتق رقبة ، ومن أخرج منه ما يقذي عينيه كتب الله عز وجل له
كفلين من رحمته ، ويتأكد ذلك يوم
الخميس وليلة الجمعة .
منها : الاسراج في المسجد ، فقد ورد أن من أسرج في مسجد من مساجد
الله سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج .
فضل المساجد العظام :
منها : المسجد الحرام ،
وفضله عظيم ، وقد ورد إن من صلى فيه صلاة مكتوبة قبل الله كل صلاة صلاها منذ يوم وجبت
عليه الصلاة ، وكل صلاة يصليها إلى أن يموت . وإن نافلة فيه تعدل عمرة مبرورة ، والفريضة فيه تعدل حجة
متقبلة . وإن صلاة فيه أفضل من مائة ألف صلاة في غيره من المساجد ، بل
ورد إن الصلاة فيه
تعدل ألف ألف صلاة ، وأفضل مواضعه الحطيم - من بين الحجر وباب البيت
- ثم مقام إبراهيم
، ثم الحجر ، ثم ما دنا من البيت. وسمي الحطيم حطيماً لأن الناس يحطم بعضهم بعضاً هناك ؟ وورد إنه أفضل
بقعة على وجه الأرض ، وهو الموضع الذي تاب الله فيه على آدم .
ولا تكره صلاة الفريضة في الحجر ، وليس شيء منه من
الكعبة .
منها : مسجد الخيف
بمنى ، فقد ورد أن من صلى فيه مائة ركعة
قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاماً ، ومن سبح الله فيه مائة تسبيحة كتب له
كأجر عتق رقبة ، ومن هلل الله فيه مائة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة ، ومن حمد الله فيه مائة تحميدة عدلت
خراج العراقين
يتصدق به في سبيل الله عز وجل
.
منها : مسجد رسول الله (ص)
بالمدينة المشرفة ،
فقد ورد أن الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في غيره . وفي خبر آخر تعدل عشرة آلاف صلاة
فيما عدى المسجد الحرام من المساجد . وأفضل أماكنه ما بين القبر والمنبر ، فإنه روضة من رياض الجنة ، وأفضل منه الصلاة في بيت فاطمة (ع).
منها: مساجد المدينة المشرفة كمسجد قبا ، فإنه
المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ومشربة أم إبراهيم ومسجد الفضيخ وقبور الشهداء ، ومسجد
الأحزاب ، وهو مسجد الفتح.
منها
: مسجد الغدير ، فإن في الصلاة فيه فضلا سيما ميسرة
المسجد .فقد ورد في الكافي ، عن حسان الجمال، قال : حملت أبا عبد الله (ع) من
المدينة إلى مكة فلما انتهينا إلى
مسجد الغدير نظر إلى ميسرة المسجد فقال : ذلك موضع قدم رسول الله
(ص) حيث قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، ثم نظر إلى الجانب الآخر فقال : ذلك موضع فسطاط
أبي فلان وفلان
وسالم ومولى أبي حذيفة وأبي عبيدة الجراح ، لما أن رأوه رافعاً يديه قال بعضهم لبعض : انظروا إلى عينيه
تدور كأنهما عينا مجنون ، فنزل جبرائيل (ع) بهذه ( وأن يكاد الذين كفروا ليزلقونك
بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون أنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين )
منها : مسجد براثا بين بغداد والكاظمية ، فإن فيه فضلا كثيراً .
وفي الفقيه بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال : صلى بنا علي (ع) ببراثا بعد رجوعه
من قتال الشراة ، ونحن زهاء مائة ألف رجل ، فنزل نصراني من صومعته ، فقال : من عميد هذا الجيش ؟ فقلنا : هذا ، فاقبل
إليه فسلم عليه ، فقال : يا سيدي ! أنت نبي ؟ فقال : لا ، النبي سيدي ،
قد مات ، قال : فأنت وصي نبيي ؟ قال : نعم ، ثم قال له : اجلس ، كيف سألت عن
هذا ؟ قال : أنا بنيت هذه الصومعة من أجل هذا الموضع - وهو براثا - وقرأت في الكتب أنه لايصلي في
هذا الموضع بهذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي ، وقد جئت اسلم ،
فأسلم وخرج معنا إلى الكوفة ، فقال علي (ع) : فمن صلى ههنا ؟
قال : صلى عيسى بن مريم (ع) وأمه ، فقال له علي (ع) : أفأخبرك من صلى ههنا ؟ قال : نعم ، قال :
الخليل (ع) .
منها : بيت المقدس ، فإن الصلاة فيه تعدل ألف
صلاة .
منها : المسجد الأعظم بالكوفة ، فإن فضله عظيم ، وإنه
روضة من رياض الجنة ، صلى فيه ألف وسبعون نبياً ، وألف وصي ، وفيه عصا موسى ،
وشجرة يقطين
وخاتم سليمان ، ومنه فار التنور ، ونجرت السفينة ، وهو صرة بابل ، ومجمع الأنبياء . والصلاة فيه بألف
صلاة ، والنافلة فيه بخمسمائة صلاة وإن الجلوس فيه - بغير تلاوة ولا ذكر - لعبادة . و إن
صلاة فريضة فيه تعدل حجة ، وصلاة نافلة فيه تعدل عمرة ، وميمنته ووسطه أفضل
من ميسرته ، لما ورد من أن ميمنته رحمة ، ووسطه روضة ، وميسرته مكر ، يعني منازل السلاطين كما في
خبر ، والشياطين كما في آخر
.
ويستحب قصده ولو من بعيد ، وقد قصده السجاد (ع) من
المدينة ، وورد أنه لو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبواً . وقال أمير المؤمنين
(ع) : يا أهل الكوفة ! لقد حباكم الله بما لم يحب به أحداً ، من فضل مصلاكم بيت آدم (ع) وبيت نوح ،
وبيت ادريس ،ومصلى إبراهيم الخليل ، ومصلى أخي الخضر (ع) ومصلاي
، وإن مسجدكم هذا لأحد المساجد الأربعة التي اختارها الله عز وجل لأهلها ، وكأني به قد أتى يوم القيامة
في ثوبين أبيضين
يتشبه بالمحرم ، ويشفع لأهله ولممن يصلي فيه فلا ترد شفاعته ، ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب
الحجر الأسود فيه ، وليأتين عليه زمان يكون مصلى المهدي عجل لله تعالى فرجه من ولدي ، ومصلى كل مؤمن ، ولا
يبقى على الأرض مؤمن إلا كان به
أو حن قلبه إليه ، فلا تهجروه ، وتقربوا إلى الله عز وجل بالصلاة
فيه ، وأرغبوا في قضاء حوائجكم ، فلو يعلم الناس ما فيه من البركة لأتوا من أقطار الأرض ولو
حبواً على الثلج
. ويستحب فيه صلاة الحاجة
.
منها : مسجد السهلة ، فإن فيه بيت إبراهيم (ع)
الذي كان يخرج منه إلى العمالقة ، وفيه بيت ادريس (ع) الذي كان يخيط فيه ، وفيه صخرة خضراء فيها
صورة جميع النبيين (ع) ، وتحت الصخرة الطينة التي خلق الله منها النبيين ، وفيها المعراج ، وهو الفاروق
الأعظم . وهو ممر الناس ، وهو من
كوفان ، وفيه مناخ الخضر (ع) ، وفيه ينفخ في الصور وإليه المحشر ،
ويحشر من جانبه سبعون
ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ، وما بعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه ، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط
رسول الله (ص) ، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا وقلبه يحن إليه، وما من يوم وليلة إلا والملائكة يأوون إليه
ويعبدون الله فيه ، ومنه يظهر عدل
الله ، وفيه يكون قائمه والقوام من بعده ، ومن دعى الله فيه بما أحب
قضى له حوائجه ، ورفعه يوم القيامة مكاناً علياً إلى درجة إدريس
(ع) ، وأجاره من مكروه الدنيا ومكائد أعدائه.
وورد في عدة أخبار عنهم (ع) إن من أتاه وصلى فيه ركعتين
ثم استجار بالله لاجاره سنة . وفي رواية أخرى : عشرين سنة . وفي ثالثة : إن
من صلى فيه ركعتين
زاد الله في عمره سنتين . وفي عدة أخبار اخر عنهم (ع) أنه ما أتاه مكروب قط فصلى فيه بين العشائين ودعا
الله عز وجل إلا فرج الله كربته.
وقد أشتبه الأمر على الشيعة الأطهار اليوم فخبطوا
بين هاتين الطائفتين ، وأستقر عملهم على الإتيان بصلاة الاستجارة بين العشائين وزادوا تقييدها بليلة
الأربعاء ، والأخبار على كثرتها
خالية عن التقييد بليلة الأربعاء ، ويعزى إلى ابن طاووس (قدس سره)
أنه قال : الأولى الإتيان بها ليلة الأربعاء ، ولم نقف على مستنده ، والحق إن صلاة
الاستجارة لاتتقيد بليل ولا نهار ، ولا بما بين العشاءيين ولا بغير ذلك ، وإنها تصح في كل
يوم وليلة ، وكل
ساعة ودقيقة ، وإن صلاة المكروب موردها ما بين العشاءين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق